لطرق الصوفية على العموم مدارس واضحة المعالم لكل ذو بصيرة نافذة و عقل منير وذوق رفيع ، أنشأها علماء ربانيون سالكون طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم ، قائمون بأمره ، مرادهم إرشاد العباد إلى طريق مولاهم ، و غاية سالكيها السير للوصول إلى معرفة الله على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والطريقة منهج سلوكي تربوي يدل و يهدي إلى سبيل الرشاد غايته تزكية النفوس و السمو بالأرواح إلى مدارج سير الكمال و إدراك مقام الإحسان وهو منهج يقترن فيه العلم بالعمل قائم على كتاب الله و سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وأصوله التوبة والخوف والرجاء والحزن والقناعة والزهد والورع والتوكل والصبر والشكر ومجاهدة النفس والرضاء بالقضاء وترك الإلتفات لأحوال العباد وآداء الحقوق.
وهي طريق معلوم لدى سالكيه يرشدك ويدلك وينير لك مسالكه و دروبه شيخ عارف بالله خبير بطب القلوب ، و يتم الانتماء إليها بأخذ العهد و قد قال الله تعالى " الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فأسأل به خبيرا " الفرقان 59 ، وقال تعالى" أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسالكم عليه أجراً إن هو إلا ذكر للعالمين" الأنعام 90 وقال تعالى " قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا" الكهف 66 ، و الانتماء للطريقة يعني الالتزام بكتاب الله و سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إذ أنها في حد ذاتها مستمده من الكتاب والسنة .
وفي الطرق الصوفية تجد الصحبة الصادقة التي لها أثر عميق في أخلاق المرء وسلوكه إذ أن الصاحب يتأثر بصفات صاحبه ،و الإنسان إذا اختار صحبة أهل الإيمان والتقوى و الاستقامة فلا يلبث أن يقتدي بهداهم و يسمو و يرتفع إلى أوج علاهم و في الحديث قال صلى الله عليه وسلم (الأرواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).
وقال الشاعر
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى في الردى
عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
و الطريقة المكاشفية هي إحدى هذه الطرق الصوفية أرسى قواعدها ووضع أساساها و بين أصولها و آدابها للسالكين قولاً وعملاً الشيخ العارف بالله عبد الباقي المكاشفي وكذا بين لوازمها و بين طريقة الإتباع. وقد ألف الشيخ لسالكي هذه الطريقة خاصة ولعموم الناس عامة مؤلفات في كل ما يحتاجون إليه من علوم التوحيد والفقه و التصوف كي يتعلموا أمر دينهم قال تعالى " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " التوبة 122.
ومنذ نشأتها عام 1311 هـ حتى يومنا هذا هي منارة للإرشاد بفضل الأستاذ الشيخ المكاشفي رضي الله عنه الذي علم القرآن وعلوم الشريعة و أرشد العباد ودل على طريق الله القويم و أقام المساجد و الخلاوي وكذلك بفضل أبنائه الأبرار الوارثون علومه وتلاميذه الأكابر الذين صدقوا مع الله فعرفوا سبل الوصال.
الطريقة المكاشفية لها دور ثابت و فعال في نشر الإسلام في بقاع الأرض المختلفة والفضل في ذلك يرجع إلى نهج الطريقة الذي يعي الواقع و يواكب حركة الإيقاع الدعوى العالمي و الذي يتفهم ما تتطلبه الدعوة من وسائل حتى تنفذ إلى أبعد مكان ، ذلك النهج الذي تذوب فيها النظرات العرقيه وتتلاشى فيه الحواجز و الفرو قات الاجتماعية بفضل تعاليمها وآدابها المستمدة من الكتاب والسنة .
ولأنها تدرك تماماً أن العمل الدعوى هو عمل الأنبياء والمرسلين ربت الطريقة أبناءها و تلاميذها واعدتهم إعدادا ً تاماً ليقوموا بأعباء الدعوة و نشر الإسلام و ربتهم على الصبر والمثابرة وعلى تحمل الأذى والبلايا الناتجة عن اختلاف المفاهيم وأورثتهم الحكمة وزودتهم بنور البصيرة حتى يصلوا لمقصدهم و كذا ربتهم على العزلة حتى يكون متنزهين عن الضغائن وأمراض المجتمعات وحتى يروضوا أنفسهم على اقتحام المشاق وكذا ربتهم على الزهد ليكون الفرد منهم مستغنياً عما في أيدي الناس و ربتهم على الكرم و العطاء و على المسامحة حتى إذا أدرك الفرد منهم هذه الصفات و الخصال صار يمتلك خصال الداعية الناجح و أصبح ذو تأثير على من حوله.
و تبيانا لآداب هذه الطريقة وبيانا لتعاليم هذا المنهج السلوكي التربوي الذي غايته السير إلى معرفة الله ونيل رضاه جل وعلا نذكر نصائح الشيخ المربي عبد الباقي المكاشفي.
النصيحةالأولى
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله ذي الطول الصميم،والصلاة والسلام على سيدنامحمد، وعلى آله وأصحابه ذوي القدر الشميم، وبعد:
فمن المتصل بأعذاره،إلى عالم جهره وأسراره، عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي،وإلى كافة عباد الله المؤمنين، الذين يقبلون النصيحة،وخصوصاً من أنتسب إلى طريق القوم،الذين هم خالون عناللوم، من مريدين ومقاديم و مشايخ: أيها الأخوة إننيلست بأفضل منكم، بل غبار حذائكم، ولا أزكى نفسي، ولكنينبغي لمدير الكأس، أن ينهي الجلاس، عن التكالب علىالدنيا، لأنها ليست من شئون الطائفة الجنيدية، التي هيصفة من كنه الأخيار، تدثرت حلل الأنوار، وصحت معاملتهامع مولاها، وكشف لها واقع الأنوار وأراها، وصارت مقبلةعليه، ونبذوا الدنيا وراء ظهورهم، وعملوا لتوسيعقبورهم بالعمل الخالص، فكيف بنا نحن وقد صار تعبنا إلىبطوننا، والقلوب اشرأب عليها سحائب الران، ومع ذلكتعلمون علماً محيطاً أن الدنيا كالسراب يحسبه الظمآنماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، وأنها لم تزن عندالله جناح بعوضة، وقد ذمها الله تعالى: {ما الحياةالدنيا إلا لعب ولهو}، ومع ذلك ضمن لنا الرزق، ولميضمن لنا الجنة، قال تعالي: {فورب السماء والأرض إنهلحق مثل ما أنكم تنطقون}. وقد علم لديكم أن الإنسانإذا ركب الريح، لركب الرزق البرق ولحقه، وقد قسمه اللهعلى ثلاثة أقسام: قسم لأعدائه يتمتعون به، وقسمللمتقين يتزينون به، وقسم للمؤمنين يتزودون به، فمالكم إلا الزاد، فهيا بنا إلى عمل الآخرة، فأن الدنياعن قريب تمس بنا سافره، فما لي أراكم معرضين عن دارالكرامة، ومقبلين على دار المصائب والندامة، {كلا سوفتعلمون ثم كلا سوف تعلمون} هيهات بين دار المتقين معدار الظالمين، فينبغي لنا أن نجعل همنا في الله، عسىولعلأن يكفينا سائر الهموم، وأن نجعل القناعة شعارناودثارنا، لأن من تمسك بها سما إلى ذروة المجد، قالتعالى مادحا القناعة: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثىوهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} وقد أجمع المفسرون علىأنها القناعة، وفي التوراة: القانع غني ولو كانجائعاً، فما دام أنتم منتسبين إلى هذا المقام، فلاتدنسوا دينكم بنيران الحطام، وإياكم والتواضع لأبناءالدنيا وقد ورد أن من تواضع لغني، ذهب ثلثا دينه،وأنهاكم عن الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور وقذفالمحصنات والنظر إلى المحارم، فإن من ملأ عينه من محرمملأها الله من حميم جهنم، والعياذة بالله،وأحذركم من اللغو والجدال والاشمئزاز والكبر والبطروالخلابة والبخل وكل ما ينهى الشرع عنه، وأحثكم على تقوى اللهوالشفقة على خلقه وخفض الجناح ولين الجانب وتوقيرالكبير وابتداء السلام والتوسط في كل أمر والرضا بماأراد الله والوقوف عن كل ما نهى عنه خصوصا مخالطةالنساء، وعليكم بالتأثير فإن القوم كان دأبهم التأثير،وعليكم بالجار ولو ذمي فتحملوا أذيته، وإياكم والوقوفعلى أبواب السلاطين والتطلب منهم، ولا تشكوا أمر لغيرالله قط، فإن الله يوكل العبد إلى نفسه، ما دام يشكىلغيره، وحسنوا ظنكم في الله، وعليكم بالنوافل من صلاةالليل، والاستغفار ولو ألفا، وقد ورد: من أستغفر سبعينمرة كتب من المستغفرين بالأسحار، والصلاة الأنسيةوالتهليل، ليكن دأبكم الحديث: من كان أخر كلامه منالدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمدالمكاشفي
النصيحةالثانية
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد للهالذي حمد ذاته بذاته ، والصلاة والسلام على سيدنامحمد، صلى الله عليه وسلم، معدن سره ومهبط هباته، ورضيالله تعالى عن صحابته الأكرمين، الذين قاموا بأعباءالدين، وأسسوا دعائمه وتحملوا مشقاته، وعن الأئمةالتابعين المهدين، الصوفية الصلحاء العلماء العاملينلوجه الله رب العالمين.
فأقول وأناالفقير العبد المفتقر إلى الله، عبد الباقي عمر أحمر المكاشفي:
أما بعد فإلى كافة عمومالمشايخ والمقاديم والمريدين الصادقين: أعلموا أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، فقالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولجماعة المسلمين،وعليه أوصيكم بتقوى الله تعالى، وإتباع الكتاب والسنة،وملازمة الأذكار، والأكل من الحلال، أخدموا لدينكم،ولا تكلفوا الناس، وأعلموا يقينا أننا عبيد الله،تجمعنا الطاعة، وتفرقنا المعصية، وعليكم بملازمةالأوراد والعزلة والجوع، فإن البطنة تذهب الفطنة،وإياكم والمزاح، فإنه بذرة العداوة، واستعينوا بالصبرفي كلا الحالتين الشدة والرخاء، وعليكم بمواساةالإخوان وحسن المعاملة مع الجار وإكرام الضيف والحبوالبغض في الله، وعليكم بترك الحقد والحسد، فإنهمايأكلان الحسنات كما تأكل النار الحطب،وأوصيكم بالزهدوالورع وترك الغيبة والنميمة، وإياكم وسفاسف الأمور،وعليكم بالعفاف، تكونوا عراف، واجتنبوا مخالطة النساءفإنهن حبال الشيطان وشركه الذي لا يخطي ، وقد جاء: (ماخلا رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وقال صلىالله عليه وسلم: "عفوا عن نساء الغير تعف نساؤكم" وقال: "إن المؤمنين كالبنيان المرصوص يشد بعضهالبعض"،وقد جاء أيضاً: "إن المؤمن مرآة أخيه"،فسيروا بسير سلفكم الصالحين وأوليائكم الناصحين،وأعلموا أن أصل الطريق الأدب والتواضع والانكسار للهلا لعلة أخرى، ومتى خلا المريد والشيخ والمقدم منالأدب فأنه من الصواب بمعزل، وكونوا رحماء بينكم،فليكرم صغيركم كبيركم، وليرحم قويكم ضعيفكم وغنيكمفقيركم، فإن الراحمون يرحمهم الرحمن، وعلى المريدينالصادقين أن يتأدبوا مع الله بترك محارمه، ومع الرسولبإتباع ملته: (قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكمالله)،ومع المقاديم والمشايخ فيما يأمرونهم به منالخدمة وآداب الطريق، فان خدمة الإخوان أصل في طريقالرحمن، وعليكم بالصبر والزكاة والصيام والحج إناستطعتم إليه سبيلا،وعليكم بجهاد النفس لأنه الجهادالأكبر، وأوصيكم أحبابي فادفنوا وجودكم، تنبتوا نباتاحسنا، ومتى خلا المريد من الأدب فأنه لا يشم رائحةالطريق، فحسنوا ظواهركم بالأدب، وبواطنكم بالتقوى،وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وأوصيكم بصلة الأرحامفإنهامنعمة في الأجل، والزموا بر الوالدين، واتقواالله في النساء فأنهن ودائع الله عندكم، قال صلى اللهعليه وسلم: "أكثركم إيمانا أكثركم إحسانا إلى أهله"،وأعلموا أن المريد بلا أدب، كالنبات بلا ثمر، طالماذكرتكم فلم تنفع الذكرى، قال تعالى: {وذكر فإن الذكرىتنفع المؤمنين}، وكثيراً ما قلت فلم أر لقولي أثراً ولالنصحي متحصلاً، قال تعالى: {وتعيها أذن واعية} وفيمالتهاون بأمر الله ورسوله، والتكالب على الدنيا وحبالراحة، وعن قريب يصير الواحد منكم ترابا، وتعودالديار خرابا، وأوصيكم بالسمع والطاعة لولاة الأمورمنكم، وأداء ما لهم عليكم وأرجو أن تصغوا لقوليوتعملوا بنصيحتي، حتى أرى لها أثراً ونتيجة تحمدعاقبتها، وإنني أتبرأ من حولي وقوتي، وأعتصم بحول اللهوقوته، وأساله العفو والمغفرة، وأساله أن يكون آخردعواي أن الحمد لله رب العالمين.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمدالمكاشفي
النصيحةالثالثة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد للهالذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله،والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأواه، وعلىآله وصحبه وجميع من والاه.
أما بعد:
فيا أيها الأخوان المشايخ والمقاديم والمريدين، أحبابيبعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته لديكم أوصيكم بتقوى الله تعالى، فأنها باب السعادة ومفتاحالوصول إلى الله عز وجل، وهي أن تفعلوا ما أمر،وتجتنبوا ما نهى عنه، أما الذي أمركم به فالقيامبالصلوات الخمس في أوقاتها بشروطها وآدابها، ودفعالزكاة للفقراء والمساكين، وهي قرينة الصلاة، ومن لميعط الزكاة لن تقبل صلاته، وهي في المواشي والنقود بمرورالحول، وفي سائر الحبوب بالحصاد، والتوجه للحجللمستطيع القادر، وكذلك صيام شهر رمضان. هذا ما أمرالله به، أما ما نهى عنه فترك الصلاة ومنع الزكاة وشربالخمر والربا وقذف الحرة وإيذاء المسلمين باللسان وغيرذلك. هذا ما أوصيكم به، فبتقوى الله فاز من فاز،وبتركها هلك من هلك، ولكم عبرة وموعظة بما جرى فيالأمم الماضية والقرون الخالية، وكل ذلك مذكور فيالقرآن العظيم، ثم أوصيكم أحبابي بالأدب ظاهراًوباطناً مع الله وأوليائه وعامة الناس، بالتخلق بأخلاقالمصطفى صلى الله عليه وسلم، وللمريدين آداب خاصةبالطريق، من لم يقم بها لم ينل شيئاً، كالقيام بحقالشيخ وحق الذكروحق الأخوان وحق العامة، فأما حقالشيخ فطاعته في جميع ما أمر، وترك كل ما نهى عنه،ظاهراً وباطناً في الغيبة والحضور، امتثالا لأمر اللهتعالى، لأن الشيخ خليفة الله ورسوله في الأرض، ومنهمايتلقى عنهما ما شاء الله، وإن كنتم لا تدرون، فعليكمبحب الشيخ حباً خالصاً، لأن حب الشيخ هو الطريق لوصولالمدد إلى قلب المريد، لإجلاله وتوقيره على وجهالكمال. أما القيام بحق الذكر فالطهارة الحسيةوالمعنوية، من الحدث والخبث والرياء والغيبة وسائرالعلل القادمة، وينبغي أن يكون الذكر حبا في الله لالغرض من الأغراض الدنيوية أو الأخروية، وعلى الذاكر أنيلاحظ صورة الشيخ لأنها تطرد الشيطان الرجيم، وعليهأيضاً أن يتدبر معنى الذكر في ذهنه فمعني لا إله إلاالله لا معبود بحق إلا الله، وأما القيام بحق الأخوانفالمحبة والمباسطة وحسن اللقاء والبشاشة والإيثار بكلشيء، وحفظ مقام كل واحد بما منحه الله تعالى، وفي حالةالبعد عنكم بإرسال الجوابات بالسلام والدعاء بظهرالغيب، فإنه مستجاب كما في الحديث، وعليكم بنشر فضائلإخوانكم، وستر عيوبهم، وكذلك التهادي فإنه الهدية تغرسالود في الصدور، والتعاون على أسباب العبادة ووجوهالذكر مثل السبحة والإبريق، أما القيام بحق العامةفإفشاء السلام وبذل الطعام والنصيحة والشفقة وكف الأذىوعدم التكبر وأسباب البغض والشحناء، قال سيدي عبدالقادر الجيلاني قدس الله ثراه: ما نلت هذا المقامبصيام أو قيام، ولكن نلته بالكرم والتواضع وسلامةالصدر واحتمال الأذى. وقال أيضاً أعاد الله علينا منبركاته: من وقر كبير المسلمين ورحم صغيرهم يرافقني فيالجنة. وفقنا الله والجميع للطاعات وعصمنا منالمخالفات، وعاملنا بحلمه وكرمه، إنه سميع الدعوات،آمين.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي
النصيحةالرابعة
بسم الله الرحمنالرحيم
{يا أيها الذين أمنوااتقوا الله حق تقاته} و{اتقوا الله ما استطعتم} ومنقول الحديث: من يتكفل لي ما بين لحييه ورجليه أتكفل لهبالجنة، والسنة شاهدها لا يخفى عليكم، ثم أوصيكم بصيامشهر رمضان، وإياكم والرخص والتي هي من تبعها رخص،وأوصيكمبزكاة الفطر خمسة أرطال وثلث قبل الصلاة،وأوصيكم بالزكاة لأن الصلاة لا تقبل إلا بعد الزكاة،وقد يضرب بها وجه صاحبها كالثوب الخرق يوم القيامة،وقد جاء النص في القرآن الكريم: {وأقيموا الصلاة وآتواالزكاة}، الحديث: "ما من أحد ملك غنماً أو بقراً أوإبلاً ولم يزكها إلا جاءت يوم القيام أقوى منها في دارالدنيا لها قرون تنطحه بقرونها وتدوسه بأظافرها وهويستغيث ولا يغاث ثم تصير سباعاً وذئاباً تعاقبه فـيالنار، وأعلموا أن مـانع الزكاة لا يقبـل الله منـهصرفاً ولا عدلاً ولا حجاً ولا صدقة ولا مواصلة رحم،وهو مطرود من رحمة الله سبحانه وتعالى، ومانع زكاةالغنم يحمل يوم القيامة شاه ولها رغاء كالرعد، وثقلهايعدل الجبل العظيم، ويخوض العرق حتى يدخل نار جهنم،ومانع زكاة البقر يجعل الله بقرونها نارا، فتنطحهبقرونها وتدوسه بأظافرها فيندم ولا يفيد الندم، ويقوليا ليتني لم يكن عندي بقراً، ومانع زكاة الإبل يجعلالله لها قرون فتنطحه، وتطأه باخفافها حتى تلصقه علىالأرض، ويقول يا ليتني لم أك بشرا،ومانعو زكاة الذهبوالفضة تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ويطوقون بهافي رقابهم بها نار، وأوصيكم بالجار واليتيم ومواصلةالأرحام، لأن الرحـم ينطق يوم القيامة بلسان فصيحويقول: إن فلان قطعني فأدخله في النار، وفلانا وصلنيفأدخلـه الجنة. وأوصيكـم بتارك الصلاة لا تأكلـوا معهلينا ولا يابسا ولا تزوجوه ولا تقضوا حاجته لأنه أبعدما يكون من رحمة الله تعالى، وقال تعالى: {إنما الخمروالميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطانفاجتنبوه لعلكم تفلحون}، وقد حلف الله بعزته وجلاله أنشارب الخمر إن لم يتب منها، لأسقينه من طينة الخبال،وهي عصارة أهل النار من القيح والصديد، وإن تاب منهاحلف الله أن يسقيه من حظيرة القدس،قيل وما حظيرةالقدس؟ قـال: أعلى الجنة. وأوصيكم ببر الوالدين فإنهمـن أعظم القربات: {وقضي ربك أن لا تعبدوا إلا إياهوبالوالدين إحسانا}، وأعلموا أن بين البار لوالديهوبين الأنبياء في الجنة درجة واحدة، وبين العاقلوالديه وبين إبليس في النار درجة واحدة، لأن حقهماواجب شرعا، ومن لم يرضهما لم تنفعه صلاته وصيامه وحجهوعمرته ولا صدقته ولا جهاده حتى يرضيهما، وأوصيكمبأولادكم ونسائكم وأمروهن بالصلاة والصيام والذكروقيام الليل ونوافل الخير، وأحذركم من الغيبة والنميمةوالكذب وشهادة الزور وقذف المحصنات ومجالس السوءوالضلال، فإن الطبع يسرق الطبع والعبد لا يدري. وأحذركم من مجالس السوء لأنها كالكير إن لم يحرقكبناره علق فيك رائحته. وأوصيكم بالاستغفار فيالأسحار، وزيارة الصالحين والأخوان في الله وعيادةالمريض وتشييع الجنائز وإكـرام مداح خير الأنامبالاحترام والفـراش والطعام والهـدية علـى حسـب مااستطعتم،وتفقدوا فـي الليل والنهار ضعفاءكم،والراحمون يرحمهم الرحمن، أرحموا من في الأرض يرحمكممن في السماء، وأوصيكم بالشفقة على الخلق، فإن من باتشبعان وجاره جائع فإنه أكبر محنة، وأوصيكم أخر المجالسبـ: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت،أستغفرك وأتوب إليك، عملت سوءا وظلمت نفسي، فأغفر ليفإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). وأوصيكم بالصلاة علىالنبي صلى الله عليه وسلم في مجالسكم، وقد ورد: ما منمجلس يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا خرجتمنه رائحة طيبة، تبلغ عنان السماء فيقولون هذا مجلسصلى فيه على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما منمجلس لا يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إلاتفرقوا عن أنتن من جيفة حمار. هذه وصيتي لكم أحبابي،وقد أنصحكم وليس بعد الإنذار مـن ملام، وإني لمسئولعنكم غدا بين يدي الله تعالى، فأقول: يا إلهي وسيدي قدأعلمتهم ونصحتهم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر،وبالله التوفيق.
والدكم: عبد الباقي المكاشفي
النصيحة الخامسة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله له الغني المطلق، والصلاة والسلام على سيدنامحمد الفاتح لما أغلق وعلى آله وصحبه الفائزين بالمقامالأسبق. أما بعد:
فإلى كافة الفقراءوخصوصا المشايخ والمقاديم والمريدين، أحبابي بعدالسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته، أوصيكم بتقوىالله تعالى، وأحذركم عن المعاصي وأحثكم على صلاةالجماعة والراتب صباحاً ومساء، والعدد في السحر والصمتوالعزلة وترك الغيبةوالنميمة وعدم التواضع للأغنياء وأولياء الذوات، وقالصلى اله عليه وسلم: "من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه"،وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لأن أقع من فوققصر فأتحطم أحب إلى من مجالس الأغنياء، لأني سمعت رسولالله صلـى الله عليه وسلم يقول: إياكم ومجـالس الموتى،قيل: وما مجالس الموتى يا رسول الله؟ قال: الأغنياء،المراد بهم ميتو القلوب بذكر الدنيا، ولن يحصل لكم شيءإلا ما كتب الله لكم في الأزل،وعنه صلى الله عليهوسلم قال: مفتاح الجنة الجوع ومفتاح النار الشبع،وعليكم بذكر الله سراً وعلناً، وإن الغيبة والنميمةمبعدات عن الله، والنظر إلي محارم الله حرام شرعاً،وقد حكي عن بعض العارفين قال: إذا رأيتم الرجل لم يقنعبما عنده، ولم يصبر على ما قسم له الله، فأعلموا أنهقد هلك في وادي الغضب والبوار، فما دمتم كذلك وأنتممنتسبون إلى أهل الله فعار عليكم تطلب أبناء الدنيا،وعليكم بمواخاة أبناء الآخرة، والتخلق بأخلاقهموالمزاورة في الله، وإن الأخ إذا جاء إلى أخيه زائرفليكرمه بجرعة ماء أو بليلة، فمن نبش أخيه بعد هذافليس له نصيب في الطريق، لأن هذا طريق الله ورسوله،وإذا شتمكم أحد فتحملوا أذيته، وألينوا له القول،وأميتوا له نفوسكم، قال صلى الله عليه وسلم: موتوا قبلأن تموتوا، وأعلموا أن الموت علي أربعة أقسام: أسودوأبيض وأحمر وأصفر، فالأسود تحمل أذية الخلق، والأبيضالجوع، والأحمر مخالفة النفس عن هواها أي المعصية،والأصفر الرضا بالكسوة ولو شملة. وبعد هذه الأربعةتقطعوا العقبات، ويصير عندكم الحلو والمر سواء،وترتاحوا الراحة الأبدية، وتذوقوا اللذات السرمدية،ويحصل لكم الفتوح، وفقني الله وإياكم على كل خير، فهذهنصيحتي لجميعالمحبين و السلام عليكم.
الفقير لله عز وجلوالدكم عبد الباقي عمر أحمدالمكاشفي
النصيحةالسادسة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله والصلاةوالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
إلى كافة المريدين والمشايخ والمقدمين أوصيكم بالحضورفي الذكر وعدم الغفلة، والتماسك باليدين وإذا دخلتم فيالذكر فأدخلوا أربعة لا يزيدون على ذلك،بإطراقالرؤوس والخشوع لله، والنساء بعيد عنكم، وخصوصاالزغاريد لا تكون بل ممنوعة البتة، الحديث: "باعدوابين أنفاس الرجال والنساء" وإياكم والنظر إليهن،والذين يريدون أن يجتمعوا معهن، فعملهم محبوط، واللهجل شأنه لا ينظر إلى عمل أشرك فيه غيره، فاذكروا اللهبصدق يذكركم بفضله ونيله وجزيل عطائه في دار ثوابه.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمدالمكاشفي
النصيحةالسابعة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله الذي جعل لكممن الماء كل شيء حي، والصلاة والسلام على النبي، وعلىآله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يطوي السماء طي،أمابعد:
إلى كافة الأحبة أعلموا أن أجر الماء من أعظم الأجور،وأن ساقي الماء غداً له عند الله منزلة عظيمة،الحديث: "تمنى جبريل عليه السلام أن ينزل من السماءليسقي الماء ويصلح بين المتشاحنين"،وورد من سقى الماء كافرا كأنما صام سنة ، ومن سقى مؤمنا كأنما صام سبعين سنة ، وورد من سقىالماء مؤمناً أظله الله في عرشه يوم الحشر يوم لا ظلإلا ظله،وأن منفق الذهب والفضة لا يساوي ساقي الماءوالطعام، فهيا بنا إلى طريق الرشاد، وهـيا بنا إلىطريق نيل المراد، طوبى لمن خلص عمله إلـى الله،فبشراكم وبشراكم بنص قوله تعالى إنا لا نضيع أجر من أجسن عملا)
والدكم: عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي
النصيحةالثامنة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبهوسلم.
أما بعــد:
فإلى كافة عباد الله المؤمنين الذين تجب عليهم الزكاة: أحبابي، إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {أقيموا الصلاة وأتوا الزكاة} فإن الرجل إذا صلى ولميؤت الزكاة فلا صلاة له، ومن صام ولم يؤت زكاة الفطرفصيامه معلق بين السماء والأرض، وإن مانع الزكاة منالغنم يحمل يوم القيامة شاه على ظهره، لها رغاء وثقليعدل الجبل العظيم، ومانع زكاة البقر تكون أحسن مايرغب في دار الدنيا فتنطحه بقرونها حتى يقضي الله فيالحساب، ومانع زكاة الإبل يجعل الله في محله زلقةفتطاه بأخفافها حتى يلصق على الأرض وهكذا في العذابإلى أن يقضي الله سبحانه وتعالى من الحساب، ومانع زكاةالذهب والفضة يطوق بهما في رقبته كالثعبان، ويناديبالويـل والثبور حتى يقضي الله تعالى مـن الحساب. فياأيها المغرور، أتظن الدنيا دار سرور، بل دار غرور،قشور وكدور، فأوصيكم بتقوى الله والقناعة وطاعة اللهفي السر والعلن وذكر الله، لأن الذاكرين لهم عند اللهشأن عظيم، وذلك فـي الفضل كالشجرة الخضراء في الشجراليابس، وأوصيكم بمحبة بعضكم ومواصلة الأرحام، وأنهاكمعن الغيبة والنميمة والكذب فإن الرجل يكذب حتى يكتبعند الله كذابا وتحروا الصدق فإن الرجل يصدق حتى يكتبعند الله صادقا، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تهب ريح على أهلالنار فيقولون ما رأينا أشر من هذه الريح فيقال لهم: هذه ريح الذين يغتابون الناس في الدار الدنيا" وعليكمبإكرام الضيف بحسب ما يوجد ولا كلفة، الحديث: "أناوأتقياء أمتي براء من التكلف"، وقد أنصحتكم واللهيسألني عنكم يوم القيامة فأقول يا رب أنصحتهم بكتابكوقول رسولك والسلام
والدكم : عبد الباقي عمر احمد المكاشفي
النصيحةالتاسعة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمدلله المغني لمن ارتجاه، وقصد بابه ورفض ما سواه،والصلاة والسلام على محمد مصطفاه، ومن تبعه إلى يوم لقاه،أما بعـد:
إلى كـافة المريدينالذين يرغـبون ما عند الله ورسوله: أحبابي، إن الرزقبيد الله ليـس لأحد أن يرزق، وليس لأحد أن يضر أحدا،ولا أحدا، أن ينفع أحد غير الله، ومن التجأ لغير اللهفقد خسر خسراناً مبينا، وقد غطى على قلوبكم الران وضعفمنكم الإيمان، في معنى الحديث: "من جعل الدنيا همه شتتالله شمله وفرق أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته منالدنيا إلا ما قسم له في الأزل ومن جعل الآخرة همه جمعالله شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا راغمة، وقدسمعت من بعض المشايخ المباركين على أيدينا قولا فظيعايشيب منه الوليد، ويلين منه الحديد، حيث لم يرضبالقسمة الأزلية، ولم يحسن ظنه في رب البرية، ومع هذاتُدْعَوَْنَ المُرِيدُونْْ، وفي بعض الكتب: بعد ثلاثإذا قال أنا جائع فالزمه السوق، وأما تعبكم لأولادكمبالكسب الحرام الباطل فيتبرءون منكم يوم القيامةويقولون: آباؤنا قد أكلونا الحرام، فخافوا اللهواقنعوا واكدحوا بأيديكم، في الزبور: حرك يمينك أعينك،وما حملني على هذا إلا أنكم لم تعذروا أحد ولو زائراً،فأنتم ليسوا من الفقراء وما هكذا حال الفقراء، قالتعالى: {الفقراء الذين أحصروا فـي سبيل الله لايستطيعون ضربا فـي الأرض يحسبهم الجـاهل أغنياء مـنالتعفف} فيا لها من مزية، فمن صبر معنا يأتيه رزقه،ومن لم يصبر فنحن مصرحون له حيث لم يقبل عذراً ، الحديث: "من اعتذر إلى أخيه ولم يقبل يأتي يوم القيامة علىالحوض ولم يقبل الله عذره"، وأستغفر الله لي ولكموالسلام.
كاتبه الفقير إليه جل وعلا : عبد الباقي عمر احمدالمكاشفي
و قال سيدي الشيخ عبد الباقي المكاشفي موضحا شروط المريد:
(ينبغي للفقير أن يكون جوال الفكر، جوهري الذكر، جميل المنازعة، قريب المراجعة، لا يطلب من الحق إلا الحق، ولا يتميز إلا بالصدق، أوسع الناس صبراً، وأقل الناس ضجراً، ضحكه تبسم، وإستفهامه لله تعلم، كثير العطاء، قليل الأذى، شاكـراً للغافل، معلمـاً للجاهل، لا يؤذي مـن يؤذيه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ورعاً من الحرمات، متوقفاً عن الشبهات، عوناً للغريب، أباً لليتيم، مشغولاً بفكره، مسروراً بفقره، لا يكشف سراً، ولا يهتك ستراً، حزنه في قلبه، وبشره فـي وجهه، تأمن بـواثقه الجيران، لا سباباً ولا مغتاباً، ولا عجولاً ولا حسوداً، لطيف الحركة، تامي البركة، سخيـاً بالفائدة، طيب الأعراق، حسن الأخلاق، لين الجانب، جميل النعت، حليماً إذا جهل عليه، صفوحاً عمن أساء إليه، لا يكون عنده جحود، ولا لنار الحق خمود، لا كفوراً ولا حقـود، يجل الكبير، ويـوقر الصغير، أميناً في الأمانة، بعيداً عن الخيانة، خلقه الحياء، إلفه التقى، حركاته أدب، وكلامه عجب، ولا يذكر أحداً بغيبة، ولا يشمت بمصيبة، وقوراً راضياً، شكوراً وصابراً، ثابت الجنان، يحتفل بالضيفان، ويطعم ما عنده كان، لا عجولاً، ولا ملولاً، ولا غفولاً، ولا ذمـاماً، ولا نماماً، ولا عياباً، له قلب حزون، ولسان محزون، وفكراً يجول فيما كان وما يكون).
هدانا الله لهذه الأعمال والأخلاق، وحققنا الله بالانتصاب لعظيم هذا الجناب وسهل لنا الانتساب وأرشدنا إلى سبيل الرشاد ببركة من قال هذه الشروط والآداب سيدنا الشيخ عبد الباقي المكاشفي رضي الله عنه ، وببركة طريقته وقومه، وجعلنا من المحببين فيهم والمحبوبين لديهم، وأعاننا على ذلك، إنه سميع مجيب.
الطريقة: مصطلح تعارف عليه أهل التصوف
المكاشفية: نسبة إلى سيدنا الشيخ عبد الباقي المكاشفي رضي الله عنه
القادرية: نسبة إلى سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي رضي الله عنه
والطريقة منهج سلوكي تربوي يدل و يهدي إلى سبيل الرشاد غايته تزكية النفوس و السمو بالأرواح إلى مدارج سير الكمال و إدراك مقام الإحسان وهو منهج يقترن فيه العلم بالعمل قائم على كتاب الله و سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وأصوله التوبة والخوف والرجاء والحزن والقناعة والزهد والورع والتوكل والصبر والشكر ومجاهدة النفس والرضاء بالقضاء وترك الإلتفات لأحوال العباد وآداء الحقوق.
وهي طريق معلوم لدى سالكيه يرشدك ويدلك وينير لك مسالكه و دروبه شيخ عارف بالله خبير بطب القلوب ، و يتم الانتماء إليها بأخذ العهد و قد قال الله تعالى " الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فأسأل به خبيرا " الفرقان 59 ، وقال تعالى" أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسالكم عليه أجراً إن هو إلا ذكر للعالمين" الأنعام 90 وقال تعالى " قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا" الكهف 66 ، و الانتماء للطريقة يعني الالتزام بكتاب الله و سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إذ أنها في حد ذاتها مستمده من الكتاب والسنة .
وفي الطرق الصوفية تجد الصحبة الصادقة التي لها أثر عميق في أخلاق المرء وسلوكه إذ أن الصاحب يتأثر بصفات صاحبه ،و الإنسان إذا اختار صحبة أهل الإيمان والتقوى و الاستقامة فلا يلبث أن يقتدي بهداهم و يسمو و يرتفع إلى أوج علاهم و في الحديث قال صلى الله عليه وسلم (الأرواح جنود مجنده ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).
وقال الشاعر
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى في الردى
عن المرء لا تسأل و سل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
و الطريقة المكاشفية هي إحدى هذه الطرق الصوفية أرسى قواعدها ووضع أساساها و بين أصولها و آدابها للسالكين قولاً وعملاً الشيخ العارف بالله عبد الباقي المكاشفي وكذا بين لوازمها و بين طريقة الإتباع. وقد ألف الشيخ لسالكي هذه الطريقة خاصة ولعموم الناس عامة مؤلفات في كل ما يحتاجون إليه من علوم التوحيد والفقه و التصوف كي يتعلموا أمر دينهم قال تعالى " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " التوبة 122.
ومنذ نشأتها عام 1311 هـ حتى يومنا هذا هي منارة للإرشاد بفضل الأستاذ الشيخ المكاشفي رضي الله عنه الذي علم القرآن وعلوم الشريعة و أرشد العباد ودل على طريق الله القويم و أقام المساجد و الخلاوي وكذلك بفضل أبنائه الأبرار الوارثون علومه وتلاميذه الأكابر الذين صدقوا مع الله فعرفوا سبل الوصال.
الطريقة المكاشفية لها دور ثابت و فعال في نشر الإسلام في بقاع الأرض المختلفة والفضل في ذلك يرجع إلى نهج الطريقة الذي يعي الواقع و يواكب حركة الإيقاع الدعوى العالمي و الذي يتفهم ما تتطلبه الدعوة من وسائل حتى تنفذ إلى أبعد مكان ، ذلك النهج الذي تذوب فيها النظرات العرقيه وتتلاشى فيه الحواجز و الفرو قات الاجتماعية بفضل تعاليمها وآدابها المستمدة من الكتاب والسنة .
ولأنها تدرك تماماً أن العمل الدعوى هو عمل الأنبياء والمرسلين ربت الطريقة أبناءها و تلاميذها واعدتهم إعدادا ً تاماً ليقوموا بأعباء الدعوة و نشر الإسلام و ربتهم على الصبر والمثابرة وعلى تحمل الأذى والبلايا الناتجة عن اختلاف المفاهيم وأورثتهم الحكمة وزودتهم بنور البصيرة حتى يصلوا لمقصدهم و كذا ربتهم على العزلة حتى يكون متنزهين عن الضغائن وأمراض المجتمعات وحتى يروضوا أنفسهم على اقتحام المشاق وكذا ربتهم على الزهد ليكون الفرد منهم مستغنياً عما في أيدي الناس و ربتهم على الكرم و العطاء و على المسامحة حتى إذا أدرك الفرد منهم هذه الصفات و الخصال صار يمتلك خصال الداعية الناجح و أصبح ذو تأثير على من حوله.
و تبيانا لآداب هذه الطريقة وبيانا لتعاليم هذا المنهج السلوكي التربوي الذي غايته السير إلى معرفة الله ونيل رضاه جل وعلا نذكر نصائح الشيخ المربي عبد الباقي المكاشفي.
النصيحةالأولى
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله ذي الطول الصميم،والصلاة والسلام على سيدنامحمد، وعلى آله وأصحابه ذوي القدر الشميم، وبعد:
فمن المتصل بأعذاره،إلى عالم جهره وأسراره، عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي،وإلى كافة عباد الله المؤمنين، الذين يقبلون النصيحة،وخصوصاً من أنتسب إلى طريق القوم،الذين هم خالون عناللوم، من مريدين ومقاديم و مشايخ: أيها الأخوة إننيلست بأفضل منكم، بل غبار حذائكم، ولا أزكى نفسي، ولكنينبغي لمدير الكأس، أن ينهي الجلاس، عن التكالب علىالدنيا، لأنها ليست من شئون الطائفة الجنيدية، التي هيصفة من كنه الأخيار، تدثرت حلل الأنوار، وصحت معاملتهامع مولاها، وكشف لها واقع الأنوار وأراها، وصارت مقبلةعليه، ونبذوا الدنيا وراء ظهورهم، وعملوا لتوسيعقبورهم بالعمل الخالص، فكيف بنا نحن وقد صار تعبنا إلىبطوننا، والقلوب اشرأب عليها سحائب الران، ومع ذلكتعلمون علماً محيطاً أن الدنيا كالسراب يحسبه الظمآنماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، وأنها لم تزن عندالله جناح بعوضة، وقد ذمها الله تعالى: {ما الحياةالدنيا إلا لعب ولهو}، ومع ذلك ضمن لنا الرزق، ولميضمن لنا الجنة، قال تعالي: {فورب السماء والأرض إنهلحق مثل ما أنكم تنطقون}. وقد علم لديكم أن الإنسانإذا ركب الريح، لركب الرزق البرق ولحقه، وقد قسمه اللهعلى ثلاثة أقسام: قسم لأعدائه يتمتعون به، وقسمللمتقين يتزينون به، وقسم للمؤمنين يتزودون به، فمالكم إلا الزاد، فهيا بنا إلى عمل الآخرة، فأن الدنياعن قريب تمس بنا سافره، فما لي أراكم معرضين عن دارالكرامة، ومقبلين على دار المصائب والندامة، {كلا سوفتعلمون ثم كلا سوف تعلمون} هيهات بين دار المتقين معدار الظالمين، فينبغي لنا أن نجعل همنا في الله، عسىولعلأن يكفينا سائر الهموم، وأن نجعل القناعة شعارناودثارنا، لأن من تمسك بها سما إلى ذروة المجد، قالتعالى مادحا القناعة: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثىوهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} وقد أجمع المفسرون علىأنها القناعة، وفي التوراة: القانع غني ولو كانجائعاً، فما دام أنتم منتسبين إلى هذا المقام، فلاتدنسوا دينكم بنيران الحطام، وإياكم والتواضع لأبناءالدنيا وقد ورد أن من تواضع لغني، ذهب ثلثا دينه،وأنهاكم عن الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور وقذفالمحصنات والنظر إلى المحارم، فإن من ملأ عينه من محرمملأها الله من حميم جهنم، والعياذة بالله،وأحذركم من اللغو والجدال والاشمئزاز والكبر والبطروالخلابة والبخل وكل ما ينهى الشرع عنه، وأحثكم على تقوى اللهوالشفقة على خلقه وخفض الجناح ولين الجانب وتوقيرالكبير وابتداء السلام والتوسط في كل أمر والرضا بماأراد الله والوقوف عن كل ما نهى عنه خصوصا مخالطةالنساء، وعليكم بالتأثير فإن القوم كان دأبهم التأثير،وعليكم بالجار ولو ذمي فتحملوا أذيته، وإياكم والوقوفعلى أبواب السلاطين والتطلب منهم، ولا تشكوا أمر لغيرالله قط، فإن الله يوكل العبد إلى نفسه، ما دام يشكىلغيره، وحسنوا ظنكم في الله، وعليكم بالنوافل من صلاةالليل، والاستغفار ولو ألفا، وقد ورد: من أستغفر سبعينمرة كتب من المستغفرين بالأسحار، والصلاة الأنسيةوالتهليل، ليكن دأبكم الحديث: من كان أخر كلامه منالدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمدالمكاشفي
النصيحةالثانية
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد للهالذي حمد ذاته بذاته ، والصلاة والسلام على سيدنامحمد، صلى الله عليه وسلم، معدن سره ومهبط هباته، ورضيالله تعالى عن صحابته الأكرمين، الذين قاموا بأعباءالدين، وأسسوا دعائمه وتحملوا مشقاته، وعن الأئمةالتابعين المهدين، الصوفية الصلحاء العلماء العاملينلوجه الله رب العالمين.
فأقول وأناالفقير العبد المفتقر إلى الله، عبد الباقي عمر أحمر المكاشفي:
أما بعد فإلى كافة عمومالمشايخ والمقاديم والمريدين الصادقين: أعلموا أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، فقالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولجماعة المسلمين،وعليه أوصيكم بتقوى الله تعالى، وإتباع الكتاب والسنة،وملازمة الأذكار، والأكل من الحلال، أخدموا لدينكم،ولا تكلفوا الناس، وأعلموا يقينا أننا عبيد الله،تجمعنا الطاعة، وتفرقنا المعصية، وعليكم بملازمةالأوراد والعزلة والجوع، فإن البطنة تذهب الفطنة،وإياكم والمزاح، فإنه بذرة العداوة، واستعينوا بالصبرفي كلا الحالتين الشدة والرخاء، وعليكم بمواساةالإخوان وحسن المعاملة مع الجار وإكرام الضيف والحبوالبغض في الله، وعليكم بترك الحقد والحسد، فإنهمايأكلان الحسنات كما تأكل النار الحطب،وأوصيكم بالزهدوالورع وترك الغيبة والنميمة، وإياكم وسفاسف الأمور،وعليكم بالعفاف، تكونوا عراف، واجتنبوا مخالطة النساءفإنهن حبال الشيطان وشركه الذي لا يخطي ، وقد جاء: (ماخلا رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وقال صلىالله عليه وسلم: "عفوا عن نساء الغير تعف نساؤكم" وقال: "إن المؤمنين كالبنيان المرصوص يشد بعضهالبعض"،وقد جاء أيضاً: "إن المؤمن مرآة أخيه"،فسيروا بسير سلفكم الصالحين وأوليائكم الناصحين،وأعلموا أن أصل الطريق الأدب والتواضع والانكسار للهلا لعلة أخرى، ومتى خلا المريد والشيخ والمقدم منالأدب فأنه من الصواب بمعزل، وكونوا رحماء بينكم،فليكرم صغيركم كبيركم، وليرحم قويكم ضعيفكم وغنيكمفقيركم، فإن الراحمون يرحمهم الرحمن، وعلى المريدينالصادقين أن يتأدبوا مع الله بترك محارمه، ومع الرسولبإتباع ملته: (قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكمالله)،ومع المقاديم والمشايخ فيما يأمرونهم به منالخدمة وآداب الطريق، فان خدمة الإخوان أصل في طريقالرحمن، وعليكم بالصبر والزكاة والصيام والحج إناستطعتم إليه سبيلا،وعليكم بجهاد النفس لأنه الجهادالأكبر، وأوصيكم أحبابي فادفنوا وجودكم، تنبتوا نباتاحسنا، ومتى خلا المريد من الأدب فأنه لا يشم رائحةالطريق، فحسنوا ظواهركم بالأدب، وبواطنكم بالتقوى،وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وأوصيكم بصلة الأرحامفإنهامنعمة في الأجل، والزموا بر الوالدين، واتقواالله في النساء فأنهن ودائع الله عندكم، قال صلى اللهعليه وسلم: "أكثركم إيمانا أكثركم إحسانا إلى أهله"،وأعلموا أن المريد بلا أدب، كالنبات بلا ثمر، طالماذكرتكم فلم تنفع الذكرى، قال تعالى: {وذكر فإن الذكرىتنفع المؤمنين}، وكثيراً ما قلت فلم أر لقولي أثراً ولالنصحي متحصلاً، قال تعالى: {وتعيها أذن واعية} وفيمالتهاون بأمر الله ورسوله، والتكالب على الدنيا وحبالراحة، وعن قريب يصير الواحد منكم ترابا، وتعودالديار خرابا، وأوصيكم بالسمع والطاعة لولاة الأمورمنكم، وأداء ما لهم عليكم وأرجو أن تصغوا لقوليوتعملوا بنصيحتي، حتى أرى لها أثراً ونتيجة تحمدعاقبتها، وإنني أتبرأ من حولي وقوتي، وأعتصم بحول اللهوقوته، وأساله العفو والمغفرة، وأساله أن يكون آخردعواي أن الحمد لله رب العالمين.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمدالمكاشفي
النصيحةالثالثة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد للهالذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله،والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأواه، وعلىآله وصحبه وجميع من والاه.
أما بعد:
فيا أيها الأخوان المشايخ والمقاديم والمريدين، أحبابيبعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته لديكم أوصيكم بتقوى الله تعالى، فأنها باب السعادة ومفتاحالوصول إلى الله عز وجل، وهي أن تفعلوا ما أمر،وتجتنبوا ما نهى عنه، أما الذي أمركم به فالقيامبالصلوات الخمس في أوقاتها بشروطها وآدابها، ودفعالزكاة للفقراء والمساكين، وهي قرينة الصلاة، ومن لميعط الزكاة لن تقبل صلاته، وهي في المواشي والنقود بمرورالحول، وفي سائر الحبوب بالحصاد، والتوجه للحجللمستطيع القادر، وكذلك صيام شهر رمضان. هذا ما أمرالله به، أما ما نهى عنه فترك الصلاة ومنع الزكاة وشربالخمر والربا وقذف الحرة وإيذاء المسلمين باللسان وغيرذلك. هذا ما أوصيكم به، فبتقوى الله فاز من فاز،وبتركها هلك من هلك، ولكم عبرة وموعظة بما جرى فيالأمم الماضية والقرون الخالية، وكل ذلك مذكور فيالقرآن العظيم، ثم أوصيكم أحبابي بالأدب ظاهراًوباطناً مع الله وأوليائه وعامة الناس، بالتخلق بأخلاقالمصطفى صلى الله عليه وسلم، وللمريدين آداب خاصةبالطريق، من لم يقم بها لم ينل شيئاً، كالقيام بحقالشيخ وحق الذكروحق الأخوان وحق العامة، فأما حقالشيخ فطاعته في جميع ما أمر، وترك كل ما نهى عنه،ظاهراً وباطناً في الغيبة والحضور، امتثالا لأمر اللهتعالى، لأن الشيخ خليفة الله ورسوله في الأرض، ومنهمايتلقى عنهما ما شاء الله، وإن كنتم لا تدرون، فعليكمبحب الشيخ حباً خالصاً، لأن حب الشيخ هو الطريق لوصولالمدد إلى قلب المريد، لإجلاله وتوقيره على وجهالكمال. أما القيام بحق الذكر فالطهارة الحسيةوالمعنوية، من الحدث والخبث والرياء والغيبة وسائرالعلل القادمة، وينبغي أن يكون الذكر حبا في الله لالغرض من الأغراض الدنيوية أو الأخروية، وعلى الذاكر أنيلاحظ صورة الشيخ لأنها تطرد الشيطان الرجيم، وعليهأيضاً أن يتدبر معنى الذكر في ذهنه فمعني لا إله إلاالله لا معبود بحق إلا الله، وأما القيام بحق الأخوانفالمحبة والمباسطة وحسن اللقاء والبشاشة والإيثار بكلشيء، وحفظ مقام كل واحد بما منحه الله تعالى، وفي حالةالبعد عنكم بإرسال الجوابات بالسلام والدعاء بظهرالغيب، فإنه مستجاب كما في الحديث، وعليكم بنشر فضائلإخوانكم، وستر عيوبهم، وكذلك التهادي فإنه الهدية تغرسالود في الصدور، والتعاون على أسباب العبادة ووجوهالذكر مثل السبحة والإبريق، أما القيام بحق العامةفإفشاء السلام وبذل الطعام والنصيحة والشفقة وكف الأذىوعدم التكبر وأسباب البغض والشحناء، قال سيدي عبدالقادر الجيلاني قدس الله ثراه: ما نلت هذا المقامبصيام أو قيام، ولكن نلته بالكرم والتواضع وسلامةالصدر واحتمال الأذى. وقال أيضاً أعاد الله علينا منبركاته: من وقر كبير المسلمين ورحم صغيرهم يرافقني فيالجنة. وفقنا الله والجميع للطاعات وعصمنا منالمخالفات، وعاملنا بحلمه وكرمه، إنه سميع الدعوات،آمين.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي
النصيحةالرابعة
بسم الله الرحمنالرحيم
{يا أيها الذين أمنوااتقوا الله حق تقاته} و{اتقوا الله ما استطعتم} ومنقول الحديث: من يتكفل لي ما بين لحييه ورجليه أتكفل لهبالجنة، والسنة شاهدها لا يخفى عليكم، ثم أوصيكم بصيامشهر رمضان، وإياكم والرخص والتي هي من تبعها رخص،وأوصيكمبزكاة الفطر خمسة أرطال وثلث قبل الصلاة،وأوصيكم بالزكاة لأن الصلاة لا تقبل إلا بعد الزكاة،وقد يضرب بها وجه صاحبها كالثوب الخرق يوم القيامة،وقد جاء النص في القرآن الكريم: {وأقيموا الصلاة وآتواالزكاة}، الحديث: "ما من أحد ملك غنماً أو بقراً أوإبلاً ولم يزكها إلا جاءت يوم القيام أقوى منها في دارالدنيا لها قرون تنطحه بقرونها وتدوسه بأظافرها وهويستغيث ولا يغاث ثم تصير سباعاً وذئاباً تعاقبه فـيالنار، وأعلموا أن مـانع الزكاة لا يقبـل الله منـهصرفاً ولا عدلاً ولا حجاً ولا صدقة ولا مواصلة رحم،وهو مطرود من رحمة الله سبحانه وتعالى، ومانع زكاةالغنم يحمل يوم القيامة شاه ولها رغاء كالرعد، وثقلهايعدل الجبل العظيم، ويخوض العرق حتى يدخل نار جهنم،ومانع زكاة البقر يجعل الله بقرونها نارا، فتنطحهبقرونها وتدوسه بأظافرها فيندم ولا يفيد الندم، ويقوليا ليتني لم يكن عندي بقراً، ومانع زكاة الإبل يجعلالله لها قرون فتنطحه، وتطأه باخفافها حتى تلصقه علىالأرض، ويقول يا ليتني لم أك بشرا،ومانعو زكاة الذهبوالفضة تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ويطوقون بهافي رقابهم بها نار، وأوصيكم بالجار واليتيم ومواصلةالأرحام، لأن الرحـم ينطق يوم القيامة بلسان فصيحويقول: إن فلان قطعني فأدخله في النار، وفلانا وصلنيفأدخلـه الجنة. وأوصيكـم بتارك الصلاة لا تأكلـوا معهلينا ولا يابسا ولا تزوجوه ولا تقضوا حاجته لأنه أبعدما يكون من رحمة الله تعالى، وقال تعالى: {إنما الخمروالميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطانفاجتنبوه لعلكم تفلحون}، وقد حلف الله بعزته وجلاله أنشارب الخمر إن لم يتب منها، لأسقينه من طينة الخبال،وهي عصارة أهل النار من القيح والصديد، وإن تاب منهاحلف الله أن يسقيه من حظيرة القدس،قيل وما حظيرةالقدس؟ قـال: أعلى الجنة. وأوصيكم ببر الوالدين فإنهمـن أعظم القربات: {وقضي ربك أن لا تعبدوا إلا إياهوبالوالدين إحسانا}، وأعلموا أن بين البار لوالديهوبين الأنبياء في الجنة درجة واحدة، وبين العاقلوالديه وبين إبليس في النار درجة واحدة، لأن حقهماواجب شرعا، ومن لم يرضهما لم تنفعه صلاته وصيامه وحجهوعمرته ولا صدقته ولا جهاده حتى يرضيهما، وأوصيكمبأولادكم ونسائكم وأمروهن بالصلاة والصيام والذكروقيام الليل ونوافل الخير، وأحذركم من الغيبة والنميمةوالكذب وشهادة الزور وقذف المحصنات ومجالس السوءوالضلال، فإن الطبع يسرق الطبع والعبد لا يدري. وأحذركم من مجالس السوء لأنها كالكير إن لم يحرقكبناره علق فيك رائحته. وأوصيكم بالاستغفار فيالأسحار، وزيارة الصالحين والأخوان في الله وعيادةالمريض وتشييع الجنائز وإكـرام مداح خير الأنامبالاحترام والفـراش والطعام والهـدية علـى حسـب مااستطعتم،وتفقدوا فـي الليل والنهار ضعفاءكم،والراحمون يرحمهم الرحمن، أرحموا من في الأرض يرحمكممن في السماء، وأوصيكم بالشفقة على الخلق، فإن من باتشبعان وجاره جائع فإنه أكبر محنة، وأوصيكم أخر المجالسبـ: (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت،أستغفرك وأتوب إليك، عملت سوءا وظلمت نفسي، فأغفر ليفإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). وأوصيكم بالصلاة علىالنبي صلى الله عليه وسلم في مجالسكم، وقد ورد: ما منمجلس يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا خرجتمنه رائحة طيبة، تبلغ عنان السماء فيقولون هذا مجلسصلى فيه على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وما منمجلس لا يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم إلاتفرقوا عن أنتن من جيفة حمار. هذه وصيتي لكم أحبابي،وقد أنصحكم وليس بعد الإنذار مـن ملام، وإني لمسئولعنكم غدا بين يدي الله تعالى، فأقول: يا إلهي وسيدي قدأعلمتهم ونصحتهم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر،وبالله التوفيق.
والدكم: عبد الباقي المكاشفي
النصيحة الخامسة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله له الغني المطلق، والصلاة والسلام على سيدنامحمد الفاتح لما أغلق وعلى آله وصحبه الفائزين بالمقامالأسبق. أما بعد:
فإلى كافة الفقراءوخصوصا المشايخ والمقاديم والمريدين، أحبابي بعدالسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته، أوصيكم بتقوىالله تعالى، وأحذركم عن المعاصي وأحثكم على صلاةالجماعة والراتب صباحاً ومساء، والعدد في السحر والصمتوالعزلة وترك الغيبةوالنميمة وعدم التواضع للأغنياء وأولياء الذوات، وقالصلى اله عليه وسلم: "من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه"،وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: لأن أقع من فوققصر فأتحطم أحب إلى من مجالس الأغنياء، لأني سمعت رسولالله صلـى الله عليه وسلم يقول: إياكم ومجـالس الموتى،قيل: وما مجالس الموتى يا رسول الله؟ قال: الأغنياء،المراد بهم ميتو القلوب بذكر الدنيا، ولن يحصل لكم شيءإلا ما كتب الله لكم في الأزل،وعنه صلى الله عليهوسلم قال: مفتاح الجنة الجوع ومفتاح النار الشبع،وعليكم بذكر الله سراً وعلناً، وإن الغيبة والنميمةمبعدات عن الله، والنظر إلي محارم الله حرام شرعاً،وقد حكي عن بعض العارفين قال: إذا رأيتم الرجل لم يقنعبما عنده، ولم يصبر على ما قسم له الله، فأعلموا أنهقد هلك في وادي الغضب والبوار، فما دمتم كذلك وأنتممنتسبون إلى أهل الله فعار عليكم تطلب أبناء الدنيا،وعليكم بمواخاة أبناء الآخرة، والتخلق بأخلاقهموالمزاورة في الله، وإن الأخ إذا جاء إلى أخيه زائرفليكرمه بجرعة ماء أو بليلة، فمن نبش أخيه بعد هذافليس له نصيب في الطريق، لأن هذا طريق الله ورسوله،وإذا شتمكم أحد فتحملوا أذيته، وألينوا له القول،وأميتوا له نفوسكم، قال صلى الله عليه وسلم: موتوا قبلأن تموتوا، وأعلموا أن الموت علي أربعة أقسام: أسودوأبيض وأحمر وأصفر، فالأسود تحمل أذية الخلق، والأبيضالجوع، والأحمر مخالفة النفس عن هواها أي المعصية،والأصفر الرضا بالكسوة ولو شملة. وبعد هذه الأربعةتقطعوا العقبات، ويصير عندكم الحلو والمر سواء،وترتاحوا الراحة الأبدية، وتذوقوا اللذات السرمدية،ويحصل لكم الفتوح، وفقني الله وإياكم على كل خير، فهذهنصيحتي لجميعالمحبين و السلام عليكم.
الفقير لله عز وجلوالدكم عبد الباقي عمر أحمدالمكاشفي
النصيحةالسادسة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله والصلاةوالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
إلى كافة المريدين والمشايخ والمقدمين أوصيكم بالحضورفي الذكر وعدم الغفلة، والتماسك باليدين وإذا دخلتم فيالذكر فأدخلوا أربعة لا يزيدون على ذلك،بإطراقالرؤوس والخشوع لله، والنساء بعيد عنكم، وخصوصاالزغاريد لا تكون بل ممنوعة البتة، الحديث: "باعدوابين أنفاس الرجال والنساء" وإياكم والنظر إليهن،والذين يريدون أن يجتمعوا معهن، فعملهم محبوط، واللهجل شأنه لا ينظر إلى عمل أشرك فيه غيره، فاذكروا اللهبصدق يذكركم بفضله ونيله وجزيل عطائه في دار ثوابه.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمدالمكاشفي
النصيحةالسابعة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله الذي جعل لكممن الماء كل شيء حي، والصلاة والسلام على النبي، وعلىآله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يطوي السماء طي،أمابعد:
إلى كافة الأحبة أعلموا أن أجر الماء من أعظم الأجور،وأن ساقي الماء غداً له عند الله منزلة عظيمة،الحديث: "تمنى جبريل عليه السلام أن ينزل من السماءليسقي الماء ويصلح بين المتشاحنين"،وورد من سقى الماء كافرا كأنما صام سنة ، ومن سقى مؤمنا كأنما صام سبعين سنة ، وورد من سقىالماء مؤمناً أظله الله في عرشه يوم الحشر يوم لا ظلإلا ظله،وأن منفق الذهب والفضة لا يساوي ساقي الماءوالطعام، فهيا بنا إلى طريق الرشاد، وهـيا بنا إلىطريق نيل المراد، طوبى لمن خلص عمله إلـى الله،فبشراكم وبشراكم بنص قوله تعالى إنا لا نضيع أجر من أجسن عملا)
والدكم: عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي
النصيحةالثامنة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبهوسلم.
أما بعــد:
فإلى كافة عباد الله المؤمنين الذين تجب عليهم الزكاة: أحبابي، إن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {أقيموا الصلاة وأتوا الزكاة} فإن الرجل إذا صلى ولميؤت الزكاة فلا صلاة له، ومن صام ولم يؤت زكاة الفطرفصيامه معلق بين السماء والأرض، وإن مانع الزكاة منالغنم يحمل يوم القيامة شاه على ظهره، لها رغاء وثقليعدل الجبل العظيم، ومانع زكاة البقر تكون أحسن مايرغب في دار الدنيا فتنطحه بقرونها حتى يقضي الله فيالحساب، ومانع زكاة الإبل يجعل الله في محله زلقةفتطاه بأخفافها حتى يلصق على الأرض وهكذا في العذابإلى أن يقضي الله سبحانه وتعالى من الحساب، ومانع زكاةالذهب والفضة يطوق بهما في رقبته كالثعبان، ويناديبالويـل والثبور حتى يقضي الله تعالى مـن الحساب. فياأيها المغرور، أتظن الدنيا دار سرور، بل دار غرور،قشور وكدور، فأوصيكم بتقوى الله والقناعة وطاعة اللهفي السر والعلن وذكر الله، لأن الذاكرين لهم عند اللهشأن عظيم، وذلك فـي الفضل كالشجرة الخضراء في الشجراليابس، وأوصيكم بمحبة بعضكم ومواصلة الأرحام، وأنهاكمعن الغيبة والنميمة والكذب فإن الرجل يكذب حتى يكتبعند الله كذابا وتحروا الصدق فإن الرجل يصدق حتى يكتبعند الله صادقا، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تهب ريح على أهلالنار فيقولون ما رأينا أشر من هذه الريح فيقال لهم: هذه ريح الذين يغتابون الناس في الدار الدنيا" وعليكمبإكرام الضيف بحسب ما يوجد ولا كلفة، الحديث: "أناوأتقياء أمتي براء من التكلف"، وقد أنصحتكم واللهيسألني عنكم يوم القيامة فأقول يا رب أنصحتهم بكتابكوقول رسولك والسلام
والدكم : عبد الباقي عمر احمد المكاشفي
النصيحةالتاسعة
بسم الله الرحمنالرحيم
الحمدلله المغني لمن ارتجاه، وقصد بابه ورفض ما سواه،والصلاة والسلام على محمد مصطفاه، ومن تبعه إلى يوم لقاه،أما بعـد:
إلى كـافة المريدينالذين يرغـبون ما عند الله ورسوله: أحبابي، إن الرزقبيد الله ليـس لأحد أن يرزق، وليس لأحد أن يضر أحدا،ولا أحدا، أن ينفع أحد غير الله، ومن التجأ لغير اللهفقد خسر خسراناً مبينا، وقد غطى على قلوبكم الران وضعفمنكم الإيمان، في معنى الحديث: "من جعل الدنيا همه شتتالله شمله وفرق أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته منالدنيا إلا ما قسم له في الأزل ومن جعل الآخرة همه جمعالله شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا راغمة، وقدسمعت من بعض المشايخ المباركين على أيدينا قولا فظيعايشيب منه الوليد، ويلين منه الحديد، حيث لم يرضبالقسمة الأزلية، ولم يحسن ظنه في رب البرية، ومع هذاتُدْعَوَْنَ المُرِيدُونْْ، وفي بعض الكتب: بعد ثلاثإذا قال أنا جائع فالزمه السوق، وأما تعبكم لأولادكمبالكسب الحرام الباطل فيتبرءون منكم يوم القيامةويقولون: آباؤنا قد أكلونا الحرام، فخافوا اللهواقنعوا واكدحوا بأيديكم، في الزبور: حرك يمينك أعينك،وما حملني على هذا إلا أنكم لم تعذروا أحد ولو زائراً،فأنتم ليسوا من الفقراء وما هكذا حال الفقراء، قالتعالى: {الفقراء الذين أحصروا فـي سبيل الله لايستطيعون ضربا فـي الأرض يحسبهم الجـاهل أغنياء مـنالتعفف} فيا لها من مزية، فمن صبر معنا يأتيه رزقه،ومن لم يصبر فنحن مصرحون له حيث لم يقبل عذراً ، الحديث: "من اعتذر إلى أخيه ولم يقبل يأتي يوم القيامة علىالحوض ولم يقبل الله عذره"، وأستغفر الله لي ولكموالسلام.
كاتبه الفقير إليه جل وعلا : عبد الباقي عمر احمدالمكاشفي
و قال سيدي الشيخ عبد الباقي المكاشفي موضحا شروط المريد:
(ينبغي للفقير أن يكون جوال الفكر، جوهري الذكر، جميل المنازعة، قريب المراجعة، لا يطلب من الحق إلا الحق، ولا يتميز إلا بالصدق، أوسع الناس صبراً، وأقل الناس ضجراً، ضحكه تبسم، وإستفهامه لله تعلم، كثير العطاء، قليل الأذى، شاكـراً للغافل، معلمـاً للجاهل، لا يؤذي مـن يؤذيه، ولا يخوض فيما لا يعنيه، ورعاً من الحرمات، متوقفاً عن الشبهات، عوناً للغريب، أباً لليتيم، مشغولاً بفكره، مسروراً بفقره، لا يكشف سراً، ولا يهتك ستراً، حزنه في قلبه، وبشره فـي وجهه، تأمن بـواثقه الجيران، لا سباباً ولا مغتاباً، ولا عجولاً ولا حسوداً، لطيف الحركة، تامي البركة، سخيـاً بالفائدة، طيب الأعراق، حسن الأخلاق، لين الجانب، جميل النعت، حليماً إذا جهل عليه، صفوحاً عمن أساء إليه، لا يكون عنده جحود، ولا لنار الحق خمود، لا كفوراً ولا حقـود، يجل الكبير، ويـوقر الصغير، أميناً في الأمانة، بعيداً عن الخيانة، خلقه الحياء، إلفه التقى، حركاته أدب، وكلامه عجب، ولا يذكر أحداً بغيبة، ولا يشمت بمصيبة، وقوراً راضياً، شكوراً وصابراً، ثابت الجنان، يحتفل بالضيفان، ويطعم ما عنده كان، لا عجولاً، ولا ملولاً، ولا غفولاً، ولا ذمـاماً، ولا نماماً، ولا عياباً، له قلب حزون، ولسان محزون، وفكراً يجول فيما كان وما يكون).
هدانا الله لهذه الأعمال والأخلاق، وحققنا الله بالانتصاب لعظيم هذا الجناب وسهل لنا الانتساب وأرشدنا إلى سبيل الرشاد ببركة من قال هذه الشروط والآداب سيدنا الشيخ عبد الباقي المكاشفي رضي الله عنه ، وببركة طريقته وقومه، وجعلنا من المحببين فيهم والمحبوبين لديهم، وأعاننا على ذلك، إنه سميع مجيب.
الطريقة: مصطلح تعارف عليه أهل التصوف
المكاشفية: نسبة إلى سيدنا الشيخ عبد الباقي المكاشفي رضي الله عنه
القادرية: نسبة إلى سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي رضي الله عنه